موقع الغزالي

 

 الموقع : الصفحة :  المنتظم في التاريخ ترجمة الأمام الغزالي

 

ترجمة الأمام الغزالي بقلم الحافظ ابن الجوزي نقلا من كتابه المنتظم في التاريخ من الجزء الرابع عشر أحداث عام 505 هجرية:

محمد بن محمد بن محمد ابو حامد الغزالي ذكر انـه ولـد سنـة خمسيـن واربعمائـة وتفقـه علـى ابـي المعالـي الجوينـي وبـرع فـي النظـر في مدة قريبة وقاوم الاقران وتفقه وتَوحد وصنف الكتب الحسان في الاصول والفروع التـي انفـرد بحسـن وضعهـا وترتيبهـا وتحقيـق الكلـام فيهـا حتـى انـه صنف في خياة استاذه الجويني فنظر الجويني في كتابـه المسمـى بالمنخـول ‏"‏ فقـال لـه‏:‏ دفنتنـي وانـا حي هلا صبرت حتى اموت واراد ان كتابك قد غطى على كتابي ووقع له القبول من نظام الملك فرسم له التدريس بمدرسته ببغداد فدخل بغـداد فـي سنـة اربـع وثمانيـن ودرس بهـا وحضره الائمة الكبار كابن عقيل وابي الخطاب وتعجبوا من كلامه واعتقدوه فائدة ونقلوا كلامه في مصنفاتهم ثم انه ترك التدريـس والرياسـة ولبـس الخام الغليظ ولازم الصوم وكان لا ياكل الّا من اجرة النسخ وحج وعاد ثم رحل الى الشام واقـام ببيـت المقـدس ودمشق مدة يطوف المشاهد واخذ في تصنيف كتاب الاحياء في القدس ثـم اتمـه بدمشـق الّا انه وضعه على مذهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه مثل انه ذكر في محو الجاه ومجاهدة النفس ان رجلًا اراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره ثم لبس ثيابه فوقها ثم خرج يمشي على مهل حتى لحقوه فاخذوها منه وسمي سارق الحمام وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح لان الفقه يحكم بقبح هذا فانه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع ثم لا يحل لمسلم ان يتعرض لامر ياثم الناس به في حقه وذكر ان رجلًا اشترى لحمًا فراى نفسه تستحي من حمله الى بيته فعلقه في عنقه ومشى وهذا في غاية القبح ومثله كثير ليس هذا موضعه‏.

 وقد جمعـت اغلـاط الكتـاب وسميتـه ‏"‏ اعلام الاحيـاء باغلاط الاحيـاء ‏"‏ واشـرت الـى بعـض ذلـك فـي كتابـي المسمـى ‏"‏ بتلبيـس ابليـس ‏"‏ مثـل مـا ذكر فـي كتـاب النكـاح ان عائشـة رضـي اللـه عنهـا قالت‏:‏ للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ انت الذي تزعم انك رسول اللّه وهذا محال وانما كان سبب اِعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه انه صحب الصوفية فراى حالتهم الغاية وقـال‏:‏ انـي اخـذت الطريقـة مـن ابـي علـي القارمـذي وامتثلـت مـا كـان يشيـر بـه مـن وظائف العبادات واستدامة الذكر الى ان جزت تلك العقبات وتكلفت تلك المشاق وما حصلت ما كنت اطلبه‏.

 ثم انه نظرفي كتاب ابي طالب المكي وكلام المتصوفة القمداء فاجتذبه ذلك بمرة عما يوجبه الفقه وذكر في كتاب الاحياء من الاحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل فليته عرض تلك الاحاديث على من يعرف وانما نقل نقل حاطب ليل‏.‏

 وكان قد صنف للمستظهر كتابًا في الرد على الباطنية وذكر في اخر مواعظ الخلفاء فقال‏:‏ روي ان سليمان بن عبد الملك بعث الى ابي حازم ابعث الي من افطارك فبعث اليه نخالة مقلوة فبقي سليمان ثلاثة ايام لا ياكل ثم افطر عليها وجامع زوجته فجاءت بعبد العزيز فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز وهذا من اقبح الاشياء لان عمر ابن عم سليمان وهو الذي ولاه فقد جعله ابن ابنه فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئًا اصلًا‏.

 وكان بعض الناس شغف بكتاب الاحياء فاعلمته بعيوبه ثم كتبته له فاسقطـت مـا يصلـ

 ثـم ان ابا حامد عاد الى وطنه مشتغلًا بتعبده فلما صار الوزارة الى فخرالملك احضره وسمع كلامه والزمه بالخروج الى نيسابور فخرج ودرس ثم عاد الى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطًا للصوفية وبنى دارًا حسنة وغرس فيها بستانًا وتشاغل بحفظ القران وسمع الصحاح‏.‏

 سمعـت اسماعيل بن علي الموصلي الواعظ يحكي عن ابي منصور الرزاز الفقيه قال‏:‏ دخل ابو حامـد بغـداد فقومنا ملبوسه ومركوبه خمسمائة دينار فلما تزهد وسافر وعاد الى بغداد فقومنا ملبوسه خمسة عشر قيراطًا وحدثني بعض الفقهاء عن انوشروان - وكان قد وزر للخليفة - انه زار ابـا حامـد الغزالـي فقـال لـه ابو حامد‏:‏ زمانك محسوب عليك وانت كالمستاجر فتوفرك على ذلك اولى من زيارتي فخـرج انوشـروان وهـو يقـول‏:‏ لا الـه الا اللـه هذا الذي كان في اول عمره يستزيدني فضل لقب في القابه كان يلبس الذهب والحرير فال امره الى هذا الحال توفي ابو حامد يوم الاثنين رابع عشر جمادى الاخرة من هذه السنة بطوس ودفن وساله قبيل الموت بعض اصحابه‏:‏ اوص فقال‏:‏ عليك بالاخلاص فلم يزل يكررها حتى مات‏.

نقلا عن موقع المكتبة الإسلامية (http://www.al-eman.com/Islamlib)